...

...


- يا بني بتعمل إيه وسايبني لوحدي!

اتوترت وشيلت التليفون ورا ضهري بسُرعة بعد ما قفلته:

- مبعملش يا أُمي، كُنت بشوف حاجة بس عشان بحث الجامعة.

بصِت ليّ بشك وبعدين كمِلت اللي بتعملُه:

- ماشي يا زياد براحتك، أنا اصلًا معُدتش مستريحالك.

نفَخت من وراها وهيَ مِش شيفاني وتمتمت:

- يا ستي بقى، ده قرف!

بصِتلي بأستغراب:

- بتقول حاجة؟

رسمت على وشي ابتسامة:

- لا لا يا ماما مش بقول، أنا نازِل.. رايح البلايستيشن.

قبل ما أنزِل بصِتلي:

- يا بني بلاش صُحابك دول! هيودوك في داهية صدقني.

اتكلِمت بلا مُبالاة:

- لما اروح في داهية نبقى نشوف يا ماما، بلاش حوارات بقى عشان مِصدع.

- وهوَ اما تروح لِربنا هتقوله كده يا زياد؟ ربنا يهديك يا بني وينوَر بصيرتك ويبعدك عن صُحاب السوء.


قفلت الباب بعد وصلِة كُل يوم اللي زهقت مِنها الحقيقة، انا في تالتة كُلية، لو متمتعتِش بوقتي دلوقتِ.. هتسلى أمتى؟


"رِن رِن.."

بصيت على التليفون لقيتها روميساء، ضحِكت:

- ألو يا روما، وحشتيني أوي يا حبيبي.

- زياد، أنا عايزاك في موضوع ضروري.

استغربت نبرتها وكمِلت:

- فيه إيه يا بنتي خير!

- عايزة أشوفك يا زياد بعد الفطار!

حركت راسي بِهدوء وأنا برُد عليها في التليفون:

- خلاص يا ستي، حاضر.


- مالك يا معلم، شكلك منكِد!

شاورتله بِأيدي وأنا بلعب:

- يا عم روميساء وزنها، أصلًا زهقت بفكر أفضي حوارها عشان بصراحة مبقاش ليا تُقل عليها!

كان وقتها أدهَم قاعِد بعيد عننا، كان بيبُصلي بنظرة عارفها كويس، كعادتُه الشيخ أدهَم.

- يا عم خُد أشرب وروق دمك.

رفع الإزازة بعد ما مدهالي وضحِك بسُخرية:

- ولا صايم!

ضحِكت وشديت المية:

- من أمتى يا عم! هات هات.

أدهَم قام وقِف وبصلنا بهدوء:

- صدقوني أنتوا مِش هترتاحوا غير لما واحد يتاخِد من وسطنا وسط كل القرف ده، لما عرفت الصح وبعدت عن الغلط قُلت اساعدكُم يمكِن تتغيروا.. بس اللي فيه شيء مش بيغيرُه، أنا ماشي عشان ما صدقت خرجت مِن مُستنقع القـ.ذارة اللي كُنت فيه، على رأي أُمي.. الصاحب ساحب، وأنا اخاف تسحبوني للغلط من تاني، محدش يرن عليا تاني، مُمكن!

خرج وقفل باب السايبر، بصينا لبعض وبعدين إنفجرنا في الضحك:

- طب واللهِ الواد ده هيطلع تبع داعـ..ش ومش قايل، أنا اصلًا كُنت حاسس.

كمِلت وأنا بضحك بسُخرية، ولكِن جوايا جُزء اتهز:

- يا عم براحته، أحنا مبنشِدش في بنطلونه يعني!

قُمت وقفت وشديت مفاتيحي:

- أنا ماشي طيب عشان أُمي عيزاني في مشوار، واحتمال افكس وانام عشان الحق اقابل روميساء.

رَد ثائر بضحك:

- يارب رُبع مشاكلك ياض يا زياد.


ضحِكت وأنا خارج، اشتريت إزازة بيبسي وشربت مِنها، نظرات الناس كانت غريبة.. بس بصراحة مش قادر استوعِب فيه إيه؟ ما كُل واحد حُر، يصوم.. ميصومش، هوَ حُر.


- داخل أنام يا ماما، لما تعملي الفطار صحيني.

حركت راسها بِماشي وهيَ بتقرأ قُرآن، دخلت الاوضة بِلا مُبالاة، غيرت هدومي وفتحت التليفون على موقِع بفتحه دايمًا، موقِع مينفعش أفتحه.. ولكِني بفتحه، لِأن زي ما قُلت، لو مستمتعتش بوقتي دلوقتي! هستمتع أمتى!


نمت وأنا بتفرج، ولكِن سامع صوت ماما داخلة الاوضة وبتصحيني:

- زياد، يلا اصحى عشان الفطار.. يا زياد!

حطِت إيدها على قلبي، سِكتت شوية وبعدين صرَخت:

- زياد! زياد أنتَ كويس؟ ابني!

رديت عليها بِهدوء:

- فيه إيه يا ماما أنا أهو!

نادِت بابا وهيَ بتصرُخ:

- زياد! ألحقنيي، زياد مبيصحاش يا محمد، زياد ابني مبيصحاش!

ضحِكت وأنا بقف قُدامها، بس ثانية.. لو أنا بقف، مين اللي نايم ده!

- ماما، ماما انا صاحي، ماما أنا عايش وكويس! يا ماما بُصيلي.

قعدت المس وشها، بس مش بتبُصلي، بدأت اصرُخ بصوت عالي:

- يا ماما! متسيبونيش! هدخُل النار يا أُمي، أرجوكِ متسيبنيش! يا أمي عايز اتوب، أنا كان في إيدي التوبة ومتوبتش يا أُمي.

قعدت تصرُخ، تليفوني رَن وعشان يردوا أخويا فتحُه، بَص لِلموبايل بصدمة وبعدين بَص لِبابا:

- زياد مـ.ات، مـ.ات وهوَ بيتفرج على حاجات مِش كويسة.


{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.}


عيطت وأنا بروح تجاه اخويا وبزقُه:

- امسح، امسح كُل ده، صحيني.. صحيني أرجوك عايز أتوب، أنا عايز أتوب.. متسيبونيش لوحدي، أرجوكم عايز أتوب.

بابا عيط، صوت عياط ماما زاد وهيَ بتردد:

- ياما قولتله، ياما قولتله يا زياد ارجع لِربنا، ليه كده يا بني! ليه تعمل في نفسك كده يا حبيبي، خسِرت دُنيتك وأخرتك يا زياد! خسِرتهُم!


عيطت زيادة ولكِن كان فيه صوت ضحك مِن مكان بعيد، بصيت تِجاه الصوت وروحت تِجاهه:

- أنتَ! أنتَ السبب، أنتَ اللي عملت كده.

ضحِك بشر وبَصلي:

- لا، كان قُدامك ده، وكان قُدامك ده، أنا هيأتلك الطريق.. وأنتَ اللي مشيت فيه أنا ماجبرتش حد على حاجة! أنتَ اللي اخترت بنفسك.

عيطت وأنا بلطُم على وشي:

- مش هقابل ربنا وأنا كده، رجعوني! أرجوكم.. انا في حلم وهفوق صح؟ أنا أكيد في حلم وهفوق.


كُنت بصوت، لِحد وأنا نازِل القبر، لما اتأكدت إن خلاص.. أنا مش في الدُنيا، كان اسوِد وضلمة، فيه حيَّة كبيرة جوا، كُنت خايف وبرتجِف وأنا بردد:

- يارب! يارب عايز أتوب، سامحني يارب.

- فات الآوان.

بصيت تِجاه الصوت، كُنت خايف:

- مَنْ ربك!

سِكتت، معرفتش أرُد.. أنا عارف، بس مش عارف أرُد!

بَصِلي تاني وصوته بيعلى:

- وما دينك؟

سكوتي طال، وعياطي زاد! أنا مش عارف أجاوب ليه؟ أنا كُنت ضامن، أنا كُنت ضامن عُمري ازاي؟

- ومَنْ نبيك.

معرفتش أجاوب، معرفتش أجاوب ليه! أنـ.. أنا عايز أجاوب!

بدأوا يضربوني، أنا كُنت بتألم ألم شديد! أنا مش عارف، مش قادر، مش فاهم، أنا مشيت! خلاص الدُنيا ضاقت، صُحابي مش موجودين، أنا بس اللي هنا، وأنا بس اللي بتحاسب! محدش هيُسأل عني طيب؟


دخل شخص عليا، كان شديد السواد، أنا كُنت مستني شيء يشفعلي، بس إيه هيشفعلي وأنا مكُنتش بصلي، ولا بصوم، ولا بتصدَّق! إيه هيشفعلي وأنا خلاص في دار الأخرة! خلاص، الفُرصة ضاعت! خلاص الحياة إنتهت! أنا خلاص مبقاش فيه فُرصة أتوب فيها!


وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى


{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي* فَيَوْمَئِذٍ لّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ* وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ.}


Report Page