...

...


*فتحتلي أيدي و أدتني طبق و معلقة*

"دوق بقى و قولي رأيك"

"ماشي ياستي"

"......."

"ها؟"

"جامد الرز بلبن ده، خالتي اللي عاملاه؟"

"خالتك مين يا عم! مانت عارف بتعمله من غير سكر"

"جاهز ولا إية؟"

خدت الطبق من أيدي و هي بتقول:

"أه جاهز، أنا أصلا غلطانة أني عبرتك، للدرجة دي مفقود فيا الأمل أعمل حاجة بنفسي"

*ضحكت على قفشها و مديتلها أيدي*

"طب هاتي بس أما أكمله و هنتفاهم"

"لأ"

"حلو يا ست ليلة تسلم أيديكي، هاتي بقى"

"خد، ياكش يطمر بس.. قال جاهز قال"

"خلاص آسف و الله، و بعدين ماتستهبليش مانتي عمرك ماعملتي حلويات يعني!"

"أديني عملت، أحبطتني.. ده أنا جايبالك أكبر طبق فيهم"

"أكبر من طبقك يعني؟"

"أكيد طبقي أكبر أنت هتصاحبني ولا إية؟، و بعدين خلص سليم هييجي ياخدك تنزلوا."

*******


ليلة..

افتكر خالتي كانت تحكيلي أن و هي حامل فيها كان عندي سنة و نص، و كانت ناوية تسميها ليلى، كانت تقعد تلاعبني و تتكلم معايا عنها.. و كل ماتقول إسمها عشان أعيده وراها كنت أقول ليلة، و قد كان سميتها ليلة زي مابقولها، ٤ سنين و أنا و ليلة مابنتفارقش من ساعة ماتولدت، كنت فرحان أوي أنها موجودة و بتشاركني اللعب و كل حاجة.. حتى بعد ما ماما خلفت أخويا سليم فضلت بردو ليلة أقربلي، لحد ما في يوم عملنا حادثة أنا و بابا و ماما بالعربية..

كنت بصحى كل يوم أعيط.. أنا ليه مش شايف، عايز أشوف كل حاجة هو في اية في عيني؟، طب هي الحاجة السودة اللي على عيني دي هتروح امتى؟، أنا عايز أشوف.. و نفسي أشوف ليلة و ألعب معاها زي الأول، كبرت و فهمت أن بعد الحادثة كل الدكاترة قالوا الموضوع مفقود فيه الأمل..


سنة ورا التانية بتعدي، كل فترة بييجي دكتور من برة و نروح يمكن يقول كلام تاني بس...! ، ولا أي حاجة..


عشرين سنة..

عدوا بحلوهم و مرهم، محطات كتير، كبرنا.. اتعلمنا.. و اتخرجنا، كل ده عدى.. بوجود ليلة..

كانت دايمًا جنبي مش بتسيبني، ساعدتني في كل حاجة، عمرها ما حسستني اني مش شايف، على الرغم من أننا نبان شخصيتين مختلفين جدا، هي عصبية و لمضة و خلقها ضيق.. و أنا هادي و صعب اتعصب.. إحنا عكس بعض بس مستحملين بعض جدا.. و بالأدق هي مستحملاني و سنداني، ساعدتني في دراستي بكل الطرق، عودتني أني لازم أعيش حياتي و أخرج و أعمل كل حاجة.. كانت المكان اللي تجربه و يعجبها لازم نخرج فيه، و ننزل قبل العيد نشتري الهدوم.. مع أني كنت مقتنع انه ليه يعني بالنسبة ليا مالوش لازمة!، بس كانت تيجي هي و سليم و ينزلوني بالعافية و تختارلي لبس جديد، كان نفسي أكون شايف و أكون بطلها اللي مابتخافش من حاجة بسببه.. كان نفسي يوم ماجت قعدت جنبي تعيط و تقولي بابا مات أعرف أواسيها و أقولها ماتخافيش أنا جنبك محدش هيقدر يضايقك و أنا هنا.. بس! أنا هعمل إية؟

طول عمرها لما تنده عليا و أرد أقولها "عيون عاصي" تفكرني بستظرف معاها، ماتعرفش أنها فعلًا عيني اللي بشوف بيها.


*******


"لأ بس جامد الجو و الله، بص مروقة عليك بحر و أم كلثوم و شاي بلبن، مفيش بعد كده بجد"

"أنتي لو تسيبيني لوحدي هكون شاكر"

*قفلت الأغنية و كملت بنبرة عصبية:

"و الله! هسيبك لوحدك فعلا، كده كده سليم جاي ف الطريق"

"استهدي بالله بس في اية بهزر معاكي"

"ماتهزرش معايا يا عم هو عشان ابن خالتي و كده هتاخد عليا؟"

"بت أنتي قماصة"

"أه قماصة سيبني في أحزاني بقى"

"أحزان إية هو أنتي بتحسي؟"

"و الله بارد"

ضحكت و أنا بقولها:

"آسف و الله، احكي طيب!"

"العادي يعني يا عاصي، شديت شوية النهارده في الشغل، و بصراحة يعني.. أنا اللي اتعصبت زيادة و غلطت"

"طب اية؟"

"اية؟"

"مش نهدى و نبطل عصبية شوية، قولتلك مش هتاخدي حق ولا باطل لما تتعصبي، ماينفعش بكلمة حد يعرف يستفزك و يعصبك"

"من كتر مانا خايفة حد يضايقني بقيت بحس أني شخص عدواني و دايما آخدة وضع أنهم عايزين يأذوني ولازم أدافع عن نفسي بأي طريقة"

"....."

"أنت سرحت في اية يا عاصي؟"

"لأ لأ مفيش، أنا مش عايزك تزعلي و مش عايزك تخافي، أنتي قوية و محدش هيقدر يضايقك كده كده، بس محتاجين نبقى أهدى شوية صح؟"

"عندك حق يا عاصي، هحاول كالعادة"

"هتقدري كالعادة يا عيون عاصي"

"يابني بقى مش هنتصاحب قولنا."

"ليلة!"

"اؤمر"

"ممكن توصفيلي ملامحك؟"

"يابني مانت عارف طول عمري شبه الأجانب شعر أصفر و عيون خضرا و كده ربنا يحميني"

"مش بهزر"

ضحكت و هي بتقول:

"بص أنا مابعرفش اوصفني من حلاوتي بس هوصفلك، أنا شكلي عادي.. عيني بني، وشي مدور، مناخيري كبيرة سيكا.. و ضحكتي زي ضحكتك بالظبط"

"على كده أنا ضحكتي حلوة جدًا"

********


وصلنا البيت أنا و ليلة و سليم، دخلنا نسلم على خالتو لقينا بابا و ماما عندها، أول ما دخلنا بابا قال لـ ليلة أنه عايزها يتكلم معاها في موضوع لوحدهم..


قطع سليم الصمت اللي بيني أنا و ماما و خالتو و هو بيسأل:

"أمال اية يا خالتو في اية؟"

"ليلة جالها عريس؟"

"ممممممم.. مين ده؟"

"واحد زميلها في الشغل"

ساعتها قاطعتهم و أنا بقول لسليم:

"قوم طلعني البيت أنام لأني مصدع"

"أستنى بس نشوف ليلة و بابا لما يطلعوا هيقولوا اية"

"هتقوم ولا أطلع لوحدي"

"حاضر حاضر"


وقتها طلعت قعدت على السرير و أنا حاسس إحساس غريب.. أنا اتخضيت!، إزاي ماعملتش حساب للحظة دي، للحظة اللي ليلة هتبدأ مشوار حياتها مع شريك.. غيري، إزاي هتبعد.. مش هسمع صوتها كل يوم.. مش هتنزل جري تخبط على بيتنا أول ما تحصل حاجة حلوة عشان تحكيلي، إزاي هييجي وقت و أقابل ليلة مجرد زيارة بس!

كنت عارف أن موبايلي اللي مابطلش رن من ساعة ماطلعت ده منها، بس خايف.. خايف اسمع كلام مش عايز اسمعه منها.

فجأة لقيت بابا و ماما طلعوا و هي معاهم..

سليم:

"تعالى في البلكونة ليلة هنا و عايزة تكلمك"

"أنا هنام مش قادر"

"هي برة مستنياك"

ساعتها حاولت ارسم هدوء و ابتسامة على وشي قبل ماطلعلها..

"عاصي!"

"أيوة"

"مابقتش عيون عاصي ولا اية؟"

ضحكت ضحكة مصطنعة بحتة..

"بت أنتي جاية تصدعيني أكتر مانا شكلك كده، و بعدين تعالي هنا، مين العريس ده؟"

"ده محمد زميلي في الشغل"

"ماحكيتيليش عنه يعني؟"

"ماكانش بيحصل بينا مواقف ولا بنتعامل كتير أصلا"

"أه.. و أنتي اية رأيك في الموضوع؟"

"مش عارفة بصراحة، هو شخص كويس و محترم و كله يتفق على ده.. بس أنا ماتعاملتش معاه كتير فـ معرفش الشخصية عن قرب"

"هتعرفيه مع الوقت"

"يعني أنت شايف أني أدخل في الموضوع؟"

"الرأي رأيك لازم أنتي اللي تكوني حابة ده، بصي معلش أنا بجد مصدع جدا مش قادرة أقعد.. هقوم أنام و نتكلم وقت تاني"

سيبتها و قومت و أنا عارف أنها أكيد استغربت طريقتي.. بس أنا فعلا مش قادر أكدب أكتر من كده.

********

"صباح الخير"

"صباح النور ، عاملة اية؟"

"كويسة، في الطريق"

"السفرية اللي تابع الشغل؟"

"أها، أنت سبتني امبارح و قومت نمت مالحقتش احكيلك هعمل اية"

"ماتزعليش مني بس كنت تعبان"

"سلامتك"

"الله يسلمك"

"أنا فكرت في موضوع العريس"

"و قررتي إية؟"

"هوافق"

"......."

"ألو!"

"مبروك يا ليلة، بإذن الله لما ترجعي من السفر يجيب أهله و يقابلوا خالتو و بابا و يتفقوا على كل حاجة"

" الله يبارك فيك، إن شاءالله"


********

أول ١٠ أيام يعدوا من غير ماسمع صوت ليلة و تيجي تقعد معايا، رجعت من السفر النهارده.. يا ترى هتنزل ولا خلاص كده!، ليلة فعلا بقى ليها حياتها و هتيجي زيارة بس؟


طلعت على صوت ماما و هي بتندهلي عشان تعرفني أن ليلة هنا..

اللحظة دي عمري ابتدى من تاني فيها.. لما شوفت ليلة بعيني، أخيرًا.. ليلة قدامي و شايفها.. شايف شكلها و تعبيرات وشها..

حاولت مابينش قدامها أني شايفها لحد ماييجي الوقت المناسب اللي أقول فيه..

*مدتلي أيدها و سندتني لحد البلكونة و قعدنا*

فضلت ساكتة شوية و على وشها علامات زعل..


"اية يابنتي ساكتة ليه .. اية أخبار السفرية؟"

"لأ تمام، أنجزنا الشغل يعني"

"طيب حلو، حمدلله على سلامتك"

"الله يسلمك"

"اية الأخبار عملتي اية مع محمد؟"

"مش عارفة"

"مش عارفة اية يا ليلة مش فاهم؟"

*ملامحها بدأ يبان عليها أنها زعلانة و بتحاول تكتم العياط*

"مش عارفة يا عاصي.. عندي إحساس غريب، يعني هو شخص كويس و في كل حاجة حلوة.. بس لأ"

"مش مرتاحة معاه يعني؟ مفيش كيميا بينكم؟"

"مش قابلة الفكرة عموما"

"فكرة الجواز؟"


*بدأت تدمع و تحاول تتماسك و هي بتكمل كلامها*

"يا عاصي أنا مش قابلة فكرة أكون مع حد تاني، أنا مابرتاحش مع أي حد، مش أي حد بيفهمني و يستحملني ولا أنا بستحمل بردو، الأيام اللي فاتت دي كانت وحشة عليا أوي، اكتشفت فيها حاجات كتير أوي ماكنتش آخدة بالي منها"

"صوتك معيط.. ممكن تهدى عشان نعرف نتكلم، في حاجة عايز أفهمها.. مش قابلة تكوني مع حد تاني؟، هو أنتي في حد فـ حياتك؟"

"أه يا عاصي"

"مين ده؟"

"مين اية يا عاصي؟، أنا من يوم ماوعيت على الدنيا و أنا ماعرفش غير عاصي، أنت فيا، أنا مابحبش غيرك.. ولا حد عمره هيعاملني زيك، أنا كنت بحسب ده تعود مش أكتر.. بس مجرد ماتخيلت حياتي من غيرك ماحبيتهاش.. مابرتاحش غير و أنت فيها، عارفة أنك ممكن تكون مش بتحبني نفس الحب اللي جوايا ليك، بس ده الكلام اللي جوايا يا عاصي.. حتى دلوقتي مش عارفة احكي لحد غيرك!"


*قالت كلامها و عيطت و هي بتخبي راسها بين ايديها*

أنا واثق أن محدش فرحان زيي دلوقتي.. ليلة طلعت بتحبني زي مابحبها.. ليلة قدامي دلوقتي و شايفها..


*قومت وقفت جنبها و مديت أيدي رفعت راسها تبصلي*

مسحت وشها و هي بتقف و بتبصلي و مخضوضة أنا ازاي واقف قدامها كده و ببصلها..

"عاصي!"

"فعلًا جمالك طلع مايتوصفش يا ليلة"

"إمتى و إزاي، و ماقولتليش إزاي؟"

"عملتها من كام يوم.. و كنت مستنيكي لما ترجعي عاملهالك مفاجأة، و ماتزعليش منهم ان محدش قالك بس أنا محلفهم كلهم، و بعدين بصراحة يعني...."

"إية؟"

"كنت مضايق من موضوع محمد ده، فـ لسة اللي هو مش عارف اتعامل مع فكرة أنك هتبعدي يعني، تقريبًا أنا كمان بحبك"

"أنا عايزة أعيط"

"أنتي نكد، بس هنزل أكلم خالتي عليكي ماختلفناش"


ساعتها حسيت أني رجعلي نعمتين.. عيني و ليلة، كنت سعيد جدًا.. سعيد و أنا شايفها داخلة في أيد بابا بفستانها الأبيض.. و بضحكتها اللي دايمًا تقولي ورثتها منك، و أخيرًا ليلة معايا و شايفها.. و مش شايلة هم حاجة عشان عارفة أني معاها، أديتها الأمان اللي فضلت عمري زعلان أني مش عارف أحسسها بيه.. و هي أدتني كل شعور حلو في الدنيا، و أخيرًا.. بقى "عيون عاصي" مجرد دلع مش أكتر.

Report Page