*/

*/

Source

شبهات حول منتجات فلاحية مستوردة من مصر تخفي تقاعسًا غير مبرر في تأمين مهام الرقابة الصحية

تونس في 02/03/2021

تبدو قضية البصل المصري الذي دخل إلى تونس مؤخرا بطريقة مريبة ووسط شكوك قوية بخصوص استجابته للمواصفات الصحية، بمثابة الشجرة التي تحجب غابة من التلكؤ والاستهتار حيال ضمان سلامة التونسيين الصحية وأمنهم الغذائي.

وفي إطار تقصّيه حول شحنات من المنتجات الفلاحية المختلفة، دخلت التراب التونسي قادمة من مصر عبر القطر الليبي "بمواصفات غير صحية"، تفاجأ "مرصد رقابة" الذي حاول تتبّع المذنب الذي يستهتر بصحة وسلامة المواطنين، بأنّ استهتارا أكبر وصادرا عن أعلى مستوى، يعقّد تحميل المسؤوليات ويجعل جهات مختلفة بصلاحيات متشابهة تتقاذف كرة المسؤولية فيما بينها بما يسهّل الافلات من العقاب.

تبيّن للمرصد خلال تقصّيه حول هذه القضية، أنّ رئاسة الحكومة تتلكأ ومنذ موافقة مجلس النواب على القانون عدد 25 لسنة 2019 المؤرخ في 26 فيفري 2019 المتعلق بالسلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات، في اصدار النصوص الترتيبية التي بموجبها يتمّ استكمال ارساء وتفعيل "الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية"، التي لا يجد المتابع مبررا لعدم تركيزها وامساكها للصلاحيات الهائلة التي منحها القانون لها إلى حدّ اليوم.

كما تتباطأ ثلاث وزارت معنيّة وهي الصحة والتجارة والفلاحة، في التوقيع على قرار مشترك يخلص إلى تجميع كافة الهياكل المعنية بمراقبة المواد الغذائية ومياه الشرب والمياه المعدنية التابعة لوزارات الصحة والفلاحة والتجارة، لتصبح جميعها تحت تسيير الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، ونعني القرار المتعلق بإحداث اللجنة المكلفة بإتمام اجراءات الإلحاق الوجوبي للأعوان المنصوص عليهم بالفصل 91 من القانون 25 لسنة 2019 المؤرخ لسنة 2019 المتعلق بالسلامة الصحية للمواد الغذائية واغذية الحيوانات.

وفي 12 فيفري 2021، طالب قيادي بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بإيقاف توريد الخضر فورا من مصر والتحقيق في دخول 1600 طن من الخضر من هذا القطر إلى تونس، إذ أنّ وزارة التجارة أخلت باتفاقات سابقة من المنظمة الفلاحية تقضي بوقف عمليات توريد الخضر وأقدمت على السماح بتوريدها من مصر التي شدّدت عديد الدول القيود على منتوجاتها بسبب المياه المستخدمة عند الري وبعض المبيدات.

وبتتبّع الموضوع، تبيّن أن أجهزة حكومة الوفاق الوطني الليبية أيضا قامت بالتقصي حول موضوع البصل المصري استنادا إلى وثيقة صادرة عن وزارة الزراعة السعودية تعود للعام 2019 تقضي بحظر استيراد هذا المنتوج من مصر.

وأصدرت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية بيانًا في 17 جانفي 2019 قالت فيه إن الحظر جاء وفقًا لما تفتضيه المصلحة العامة بعد تحليل عينات البصل الواردة من مصر وثبوت تجاوز متبقيات المبيدات في البصل المصري بنسبة أعلى من الحد المسموح به عالميًا، ولم تكتف حكومة السعودية بحظر شحنات الشركة المخالفة فقط، بل حظرت كل واردات البصل من مصر لفترة طويلة.

وحسب معطيات "مرصد رقابة" فإنّ إطلاق "الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية" مركزيا وبعث مكاتب تابعة لها بالإدارات الجهوية، وضبط تنظيمها الاداري والمالي، وتركيبتها قد يحتاج إلى 19 نصا ترتيبا، إلا أنّ الواقع يشير الى اصدار أمر حكومي وحيد ويتيم وهو "أمر حكومي عدد 74 لسنة 2021 مؤرخ في 21 جانفي 2021 يتعلق بضبط التنظيم الإداري والمالي للهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية وطرق تسييرها وطرق تسيير اللجنة الاستشارية وتركيبتها".

ويهدف هذا الجهاز المُوحد الى توفير سلامة صحية للمستهلك التونسي من خلال تأمين مراقبة فعالة للمنتجات المصدرة أو التي يتم توريدها وتروّج في السوق الداخليّة، بعد أن كانت كل وزارة تملك جهازا خاصا بها للمراقبة، من واجباته التدقيق في المنتجات التي تستوردها الوزارة العائد لها بالنظر.

وبتاريخ 4 جانفي 2021، تلقى "مرصد رقابة" ردا على طلب النفاذ إلى المعلومة من "الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات" التابعة لوزارة الصحة.

ولئن كان طلب النفاذ يشمل معطيات واستفسارات بخصوص ملفات تتعلق باستيراد وتخزين مادتي الأرز والقهوة، فإنّ ردّ الوكالة تضمن تملّصًا من تحمّل المسؤولية التي ألقيت بالكامل على عاتق "الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية" التي لم يتم تركيزها وتفعيلها بشكل نهائي بعدُ.

ولا يمكن تفسير أسباب التلكؤ الحاصل في الانتهاء من ارساء الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية، ليمتدّ هذا التأخير على أكثر من سنتين، فقد صادق مجلس نواب الشعب، خلال شهر فيفري 2019، على قانون السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات الذي أحدث إطارًا قانونيًا خاصًا وموحدًا لـ"تأمين صحة الإنسان والحيوان والوقاية من المخاطر الصحية المرتبطة باستهلاك المواد الغذائية"، كما أحدث ذات القانون مؤسسة عمومية جديدة باسم "الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية"، خاضعة لإشراف وزارة الصحة، تتولى مهام كثيرة وتمتلك صلاحيات واسعة، لتنفيذ سياسة الدولة في مجال حماية المستهلك والسلامة الصحية للنباتات والحيوانات وحسن معاملة الحيوانات، وأيضًا مجال المدخلات الفلاحية بدءًا من الانتاج الأولي وصولًا إلى المستهلك النهائي.

وطالما أن تركيز "الهيئة" لم يحصل بعدُ، فإن صلاحياتها ستظل مشتتة بين جهات مراقبة عديدة تخضع لوزارات كثيرة كان من المفترض أن تُجمّع منذ مصادقة النواب على القانون عدد 25 لسنة 2019 المؤرخ في 26 فيفري 2019 المتعلق بالسلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات.

وبالعودة إلى قضية "البصل المصري" سنجد ان استتباعات التقاعس والمماطلة في ارساء "الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية" تبدو أكثر وضوحا، خاصة وأن كل طرف منتم لوزارة معنيّة يرمي الكرة الى الطرف الآخر، أو يحيلها الى "الهيئة" التي لم يتمّ تركيزها وتفعيلها بعدُ.

"مرصد رقابة" من جهته لم يبق مكتوف الأيادي أمام هذا الاستهتار الذي قد يؤثر سلبا على صحة التونسيين ويكرّس الافلات من العقاب في حال ثبوت أنّ المنتجات القادمة من مصر لا تستحيب للشروط الصحية المتعارف عليها، أو في حال ثبوت أنّ الهيئات الرقابية التابعة لوزارات الصحة والتجارة والفلاحة تستغل عدم تفعيل الهيئة الجديدة لتتنكّر لالتزاماتها وتتقاعس في تطبيق القانون.

فقد أودع المرصد مطالب نفاذ الى المعلومة إلى رئاسة الحكومة ووزارة الصحة ووزارة التجارة ووزارة الفلاحة فيما يتعلق بهذا الملفّ.

وطالب "مرصد رقابة" رئيس الحكومة ووزير الصحة بمدّه بالأسباب الراجعة لعدم إصدار النصوص التطبيقية لتركيز وتفعيل الهيئة الوطنية للسلامة الصّحية للمنتجات الغذائية المحدثة بمقتضى القانون 25 لسنة 2019 المؤرخ لسنة 2019 المتعلق بالسلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات.

كما طالب المرصد وزراء الصحة والفلاحة والتجارة، بما يفيد توقيعهم على القرار المشترك المتعلق بإحداث اللجنة المكلفة بإتمام اجراءات الإلحاق الوجوبي للأعوان المنصوص عليهم بالفصل 91 من القانون 25 لسنة 2019 المؤرخ لسنة 2019 المتعلق بالسّلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات، كما ورد في مطالب النفاذ.

وطلب المرصد من الوزراء الثلاث كذلك، مده بقائمات في عمليات المراقبة الصحية التي قامت بها هياكلهم الخاضعة لإشرافهم للتثبت من السلامة الصّحية، والصّحة النباتية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات الموردة خلال سنتي 2020 و2021 (بريا وبحريا وجويا)، مع نسخ من التقارير المنجزة في الغرض.

كما خصّ المرصد وزير الصحة بطلب الحصول على نتائج عمليات المراقبة الصحية التي قامت بها وزارته والهياكل الخاضعة لإشرافها، للتثبت من السلامة الصحية والصحة النباتية لمنتجات البصل واليقطين (القرع) والباذنجان والفلفل والطماطم الموردة من جمهورية مصر العربية خلال سنتي 2020 و2021، مع نسخة من التقارير المنجزة في الغرض.

Report Page