فاغنر والفرق بين المرتزقة والعبيد

فاغنر والفرق بين المرتزقة والعبيد

مجلة بلاغ العدد ٥٠ - ذو الحجة ١٤٤٤هـ⁩⁩⁩⁩⁩⁩

كلمة التحرير


فاغنر شركة مرتزقة روسية تجمع الناس ليقاتلوا في سبيل المال والراتب الذي تدفعه لهم، وقد شاركوا في كثير من الحروب التي دعمتها روسيا في الأعوام الأخيرة، وكانت لهم مشاركة قوية في الغزو الروسي لأوكرانيا.

وبعد تكبد القوات الروسية الرسمية ومرتزقة فاغنر خسائر كبيرة في أوكرانيا بدأت تظهر بشكل كبير خلافات بين مرتزقة فاغنر والجيش الروسي، واتهمت شركة فاغنر الجيش الروسي بتقصيره في إمدادهم بالذخيرة والمعدات، وضعفه في الميدان، واستهتاره بحياة الجنود، ثم اتهمته بقصفه لجنودهم، وعندها وفي تحرك مفاجئ لأكثر المهتمين والمتابعين، أعلنت فاغنر التمرد على الجيش الروسي، وتحركت لمحاسبة وزير الدفاع الروسي، واستولت على عدد من المدن الروسية، ودخلت روسيا حالة توتر كبيرة بين الحكومة الروسية وشركة فاغنر للمرتزقة التي تقود عمليا انقلابا عسكريا داخل روسيا.


لقد نبه هذا الخلاف الظاهر على السطح منذ عدة شهور والتحرك الذي تلاه هذه الأيام إلى طبيعة المرتزقة والفرق بينهم وبين العبيد.


فالمرتزق عادة يبحث عن مصلحته هو، ويضحي من أجل منفعته هو، ويدور مع كسبه أينما دار، فهو يبيع ما يبيعه من أجل دنياه، فإن خسر دنياه فإنه يقاتل من أجل استعادتها أو يتنحى عن القتال، فليس عنده استعداد للقتال بلا مقابل، أو بمقابل يضره ولا ينفعه.


ولذلك لا يُستغرب انقلاب المرتزقة على داعميهم عندما يشعرون أن داعميهم يقصرون في دعمهم أو يزجونهم للهلاك بلا مقابل، أو يدفعون بهم في معارك خاسرة لا ثمرة من ورائها.


وبذلك يختلف المرتزقة عن العبيد؛ فالعبيد عادة يطيعون أسيادهم مهما كان، ولا يستطيعون الخروج عن أمرهم في كل الحالات، فهم لا يملكون من دنياهم شيئا، وإن ملكوا شيئا من دنياهم فإنهم يبيعونه بدنيا أسيادهم، ولا أثر للنصر أو الهزيمة في قرارهم، فهم في خدمة سيدهم الداعم مهما أمر ومهما حصل وكان.


ورغم شناعة وبشاعة المرتزقة فإنه يبقى عندهم من بقايا الإنسانية ما ليس عند العبيد؛ فهم لا يبيعون حياتهم لأي داعم، بل لداعم يقدر جهدهم، خلافا للعبيد الذين يبيعون حياتهم لأي سيد اشتراهم؛ فهم يعيشون في خدمته ويموتون في سبيله، لا يبغون عنه حولا وإن سقاهم كأس الذل أشكالا وأطعمهم من الحرمان ألوانا.


ورغم أن طريقي الارتزاق والعبودية بهذين المفهومين طريقان باطلان يخالفان طريق الحق وهو طريق الجهاد في سبيل الله تعالى؛ إلا أن طريق العبودية يبقى أسوأ وأضل من طريق الارتزاق؛ فيحتقر المرء عبيد الداعمين الذين لا يُحصلون من هذا الطريق دنيا ولا أخرى لا لهم ولا لأهلهم، ويقول: أما وقد اختاروا طريق الغواية فليتهم كانوا مرتزقة لا عبيدا.


هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٥٠ ذو الحجة ١٤٤٤هـ



Report Page