القصة | أبعاد سياسية وراء زيادة كروت الشحن.. والمواطن «مطلوب منه التنفيذ في صمت»

القصة | أبعاد سياسية وراء زيادة كروت الشحن.. والمواطن «مطلوب منه التنفيذ في صمت»

علي قناوي
رسالة من شركات الاتصالات لعملائها

http://mobile.alkessa.com/artical-19437

لم تشأ الحكومة أن يمر أمس الخميس آخر الأسبوع على المصريين بسلام، بل تعمدت أن يأتي على غرار سابقيه المؤلمين، فأعلنت زيادة أسعار كروت الشحن لشركات الاتصالات الأربع (فودافون، أورانج، اتصالات، we) بنسبة 36% اعتبارًا من اليوم الجمعة 29 سبتمبر 2017.

القرار الذي أعلنه الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، وأحدث حالة من الارتباك، تضمن تغيير أسعار وقيمة الرصيد لكروت الشحن والشحن على الطاير والشحن عن طريق الكاش، ليحصل المستخدم على 70% من قيمة الشحن رصيدًا.

بيان الجهاز أرجع تلك الزيادة إلى أن "شركات المحمول كانت تتحمل عن المواطن عبء ضريبة المبيعات البالغة 14% بالإضافة إلى 8% ضريبة جدول، إلا أنه حاليًا جرى تحميل تلك الضرائب على المستخدم"، على حد تعبير مصطفى عبدالواحد القائم بأعمال رئيس الجهاز.

كما ارتفعت، بحسب البيان، أعباء المصاريف التشغيلية للشركات ولتتمكن من توفير الأجهزة اللازمة لتطوير شبكاتها والاستمرار في تقديم الخدمات بكفاءة لاسيما مع إطلاق خدمات الجيل الرابع للمحمول.

فما الأبعاد السياسية التي قد تقف وراء قرار مثل هذا، وإلى أي مدى يلقي بظلاله السلبية أو الإيجابية على شركت المحمول والتجار والبائعين والمستخدمين على حد سواء؟.

حرب مواقع التواصل

ولعل محاولة تحليل الأبعاد السياسية لقرار رفع أسعار كروت الشحن يعيد إلى الأذهان بعض الأمور شديدة الارتباط به، فخلال الفترة الماضية خرجت دعوات وصفت بالغريبة من تحت قبة مجلس النواب، صُنفت على أنها خطوات في طريق الحرب على موقاع التواصل الاجتماعي.

الدعوات تضمنت المطالبة بحجب مواقع التواصل تارة، وفرض رسوم عليها تارة أخرى، والدخول إليها بالهوية (البطاقة الشخصية) تارة ثالثة.

الرابط بين تلك الدعوات وأزمة كروت الشحن يشير إلى اتهامات للسلطة بمحاولة حصار المواطنين المستخدمين لمواقع التواصل باعتبارها المتنفس الوحيد لهم، خاصة في ظل استخدام نحو 37% من المصريين للإنترنت، وفق دراسة حديثة.

ولمزيد من التوضيح، فإن زيادة كروت الشحن التي وصفها كثيرون بالجنونية (أكثر من الثلث) تعني خروج شرائح كاملة من خدمات الإنترنت أو حتى تخفيض مدة تواجدهم على منصات ومواقع التواصل.

تك المنصات تمثل، بالنسبة لقطاع لا يستهان به من المواطنين، الطريقة شبه الوحيدة للاطلاع على ما تنشره المواقع الإخبارية والفضائيات المعارضة والمحجوبة في مصر.

كما أنها تعتبر نافذة لزيادة وعي هذه الطبقة وتواصلها مع تلك الفئة من المعارضين أو المنتقدين لسياسات وقرارات السلطة، الطبقة هي المقصودة تحديدًا من قبل السلطة لرجوعها إلى قنوات التلفزيون أو الفضائيات الخاصة لإعادة تشكيل وعيها "المتذبذب" من جديد، على هوى النظام.

وجهة النظر تلك تعززها شواهد الحرب التي تشنها السلطة على مواقع التواصل، وما أُعلن غير مرة على ألسنة كبار المسؤولين في الدولة وفي مقدمتهم الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث أعلن تبرمه من شبكات التواصل الاجتماعي، واعتبر في لقائه بالمثقفين المصريين، منتصف أبريل 2016، أنها وسائل لنشر الشائعات ضد الحكومة.

وبلهجة غاضبة قال: "أنا ممكن بكتيبتين أدخل على النت واعملها دائرة مقفولة والإعلاميين ياخدوا أخبار وشغل منها".

غضب مكتوم

ويبقى قرار رفع أسعار كروت الشحن محصورًا في قفص الاتهام من حيث تعمد السلطة إصداره لخلفيات وأبعاد سياسية، حتى ولو لم تكن وجهة النظر السابقة مرجحة الحدوث.

فليس ببعيد منها توجه آخر يقود إلى غرض مختلف ربما تعمدته السلطة وراء القرار، يتعلق أيضًا بمجالات تنفيس المواطن عن غضبه، فالتأثير المضطرد لمواقع التواصل الاجتماعي مع اندلاع ثورات الربيع العربي، لفت إليها أنظار حكام المنطقة.

الجميع أيقن حينها، ومع توالي الأحداث بعدها ما للتفاعل على مواقع التواصل من قيمة كبيرة وتأثير محتمل، يوازي في فاعليته ما قد يشهده الشارع من تحركات احتجاجية.

ووفق هذا التوجه، فإنه من مصلحة السلطة إبعاد الناس قدر الإمكان عن مواقع التواصل، والعودة مرة أخرى إلى النقاشات والسجالات على المقاهي وفي أماكن العمل ووسائل المواصلات، بشكل ينفس الغضب ويخرج ما بداخلهم من طاقة سلبية تجاه الأوضاع دون حركة على الأرض.

ربما تكون تلك الطريقة أفضل لدى السلطة من تفريغ الناس لغضبهم عبر كتابة "بوست" أو "شير" أو "لايك" على فيسبوك، أو التفاعل مع فيديوهات عبر يوتيوب.

ولعل المعارضة المتزايدة ضد السلطة في العالم الافتراضي، مقابل افتقاد الشارع لحالة الغضب، لفتت أنظارها إلى أهمية السطو على هذا العالم.

في المقابل فإن السلطة قد تستغل حالة الخوف لدى المواطنين من بطش الأمن لأي احتجاجات في الشارع، وبقاء مشاعر الغضب مكتومة داخلهم.

المواطن «الخاسر الوحيد»

3 أطراف يشكلون المعادلة الاقتصادية لحساب المكاسب والخسائر جراء رفع أسعار كروت الشحن، أولها شركات الاتصالات التي لا تبدو خاسرة بأي حال من الأحوال.

هذه النتيجة ليست مجرد توقعات أو احتمالات، بل هي حقيقة مؤكدة تثبتها لغة الأرقام عن أرباح تلك الشركات والمرشحة للزيادة ربما بذات نسبة رفع كروت الشحن أي 36%.

وعلى الرغم من توقعات شركة "فودافون مصر" تراجع إيرادتها بشكل كبير خلال العام الجاري، وذلك في ظل الإجراءات الاقتصادية، إلا أن الشركة استطاعت تحقيق إجمالي إيرادات بلغ 13 مليار جنيه بانتهاء العام المالي الخاص بالشركة في الفترة من 1 أبريل 2016، وحتى 31 مارس 2017، بحسب البيانات الرسمية.

أرباح الشركة قبل الفوائد والضرائب بلغت نحو ٥.٨ مليارات جنيه، بينما بلغت الأرباح التشغيلية حوالي ٣.٣ مليارات جنيه، فيما أظهرت النتائج بلوغ عدد العملاء ٤١ مليون عميل بنهاية مارس ٢٠١٧.

وفي يوليو الماضي، أعلن مجلس إدارة شركة أورانج مصر للاتصالات أنه حقق مجمل أرباح وصلت إلى نحو 4.5 مليارات جنيه للعلم المالي المنتهي في يونيو 2017، بمعدل تطور بلغ 4.97% عن العام الماضي.

شركة "اتصالات مصر" جمعت إيرادات بقيمة 2.5 مليار جنيه خلال الربع الثاني من عام 2016، وبلغ صافي أرباح الشركة عن نفس الفترة 540 مليون جنيه، مقابل 180 مليونًا خلال الربع الأول بزيادة 200%.

أما "المصرية للاتصالات" صاحبة الشبكة الرابعة للمحمول (we) فيبدو أن قرار رفع أسعار كروت الشحن قد صُمم خصيصًا لها، بعد دخولها السوق بأيام معدودة فقط، بينما حققت الشركة صافي أرباح 2.7 مليار جنيه خلال 2016.

الضلع الثاني في المعادلة يكمن في التجار والموزعين، الذين طالبوا عبر إيهاب سعيد رئيس شعبة مراكز الاتصالات بالاتحاد العام للغرف التجارية، بهامش ربح بعد زيادة أسعار كروت الشحن.

إلا أن أزمة المستهلكين لا تتعلق بكبار التجار، لكنها بصغار الموزعين والبائعين "القطاعي"، فوفق معلومات وردت لـ(القصة) من أحد البائعين، فإنهم لن يكتفوا بيع كروت الشحب بأسعارها المعلنة (نفس الرقم المدون على الكارت) بل سيضطرون إلى زيادتها جنيهًا أو نصف جنيه على الأقل.

مبرر ذلك أن التجار الكبار، بعد هذه الزيادة، سوف يخفضون هامش ربح الموزعين الصغار الذي يحصلون عليه (جنيهان لكل 100 جنيه)، وبالتالي لن يربحوا شيئًا إذا باعوا كارت الشحن بسعره الرسمي.

المحصلة من هذا المتعلق بالتجار، وذاك الخاص بشركات المحمول، هي أن الضلع الثالث أي المواطن أو المستهلك هو الذي سيدفع الثمن كاملًا، فلا أضرار أو خسائر ستقع على الطرفين السابقين، لكن 


Report Page